لقد عملت المنظمات الإنسانية منذ فترة طويلة وفقًا للمبادئ التوجيهية المتمثلة في الإنسانية، الحياد، الاستقلالية، وعدم التحيز. هذه القيم تضمن توصيل المساعدات إلى المحتاجين دون تحيز سياسي أو شخصي، حتى في أكثر البيئات تقلبًا واستقطابًا. ومع ذلك، مع تطور الصراعات والأزمات العالمية، لم تعد هذه الأسس وحدها كافية. يتطلب التعقيد المتزايد للعمل الإنساني الحديث أكثر من مجرد تقديم المساعدات؛ إنه يتطلب التزامًا جريئًا بـ الشهادة الحية.
لماذا نحتاج إلى إعادة التفكير في المبادئ الإنسانية؟
تاريخيًا، مكّن مبدأ الحياد المنظمات الإنسانية من تقديم المساعدة دون الوقوع في النزاعات السياسية. سمح هذا الحياد لعمال الإغاثة بالوصول إلى أخطر مناطق الحروب. كانت الفكرة بسيطة: تجنب الانحياز، وستتمكن من مساعدة أي شخص في حاجة، بغض النظر عن السياق السياسي للنزاع. لكن اليوم، أصبح الحياد موضع تساؤل بشكل متزايد.
مع استمرار النزاعات وتزايد تعقيدها، أصبح الحياد مرادفًا للصمت. لم تعد المستشفيات المقصوفة، والمدنيون المستهدفون، ومخيمات اللاجئين التي تُستخدم فيها المساعدات كأداة سياسية أمورًا نادرة — بل أصبحت واسعة الانتشار. في حين أن الحياد ضروري لضمان الوصول، إلا أنه يُخاطر بأن يُنظر إليه على أنه تواطؤ عندما تظل المنظمات الإنسانية صامتة في وجه الظلم.
شهدت الساحة الإنسانية تغيرات جذرية في العقد الماضي. أصبحت النزاعات أطول، وأكثر دموية، وأكثر تجذرًا في الانقسامات السياسية والاجتماعية. لم تعد المستشفيات ملاذات آمنة، بل أصبحت أهدافًا. يتم استهداف المدنيين بشكل منهجي، ويتم استغلال المساعدات لأغراض سياسية. في مثل هذه البيئات، يجب أن نعيد التفكير في مقاربتنا للمبادئ الإنسانية. يظل الحياد مهمًا، لكنه يجب أن يتطور ليشمل المشاركة الأخلاقية — موقفًا استباقيًا يحمل المسؤولين عن الفظائع المسؤولية ويضمن أن تسير المساعدات جنبًا إلى جنب مع الدعوة.
تقديم مبدأ الشهادة الحية
يملأ مبدأ الشهادة الحية الفجوة التي خلفها الحياد التقليدي، حيث يوفر للعاملين في المجال الإنساني وسيلة للمشاركة دون التضحية بحيادهم. تعني الشهادة الحية توثيق ورواية قصص المعاناة والظلم والعنف التي يشهدها عمال الإغاثة على أرض الواقع. يغيّر هذا المبدأ دور المنظمات الإنسانية من مجرد مقدمي المساعدات إلى شهود أخلاقيين، حيث تُعتبر أصواتهم توازنًا قويًا في وجه المعلومات المضللة وقمع الحقيقة.
تعترف الشهادة الحية بأن المساعدة وحدها ليست كافية. غالبًا ما يكون عمال الإغاثة أول من يشهد على أهوال الحروب والمجاعات والنزوح. قصصهم ليست فقط مهمة — بل حيوية. في ظل هذا المبدأ الجديد، يتم تمكين المنظمات الإنسانية من رفع هذه الأصوات، والتأكد من أن العالم يعرف ما يحدث في الأزمات المنسية أو المهملة.
لا يعني هذا التخلي عن الحياد. بل على العكس، تُكمل الشهادة الحية مبدأ الحياد من خلال التأكيد على الحاجة إلى الشفافية والمساءلة. يمكن للمنظمات الإنسانية أن تستمر في تقديم الخدمات بحيادية بينما تقوم أيضًا بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة للتغيير. يتعلق الأمر بضمان ألا يسمح الصمت بمرور الظلم دون ملاحظة.
لماذا نحتاج إلى مبدأ الشهادة الحية
لم يكن هناك وقت أكثر إلحاحًا لتطبيق الشهادة الحية. التحديات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني اليوم غير مسبوقة. من الهجمات المتعمدة على المرافق الصحية إلى استغلال المساعدات لأغراض سياسية، أصبحت الحدود بين الحياد والصمت غير واضحة.
تُعالج الشهادة الحية حاجتين أساسيتين في العمل الإنساني الحديث:
الشفافية: في عالم حيث يتم تشويه الحقيقة بشكل متزايد عن طريق الدعاية، تقدم شهادات عمال الإغاثة سردًا حقيقيًا وضروريًا. يوفر توثيق الأحداث على الأرض وضوحًا ويضمن معرفة النطاق الحقيقي للأزمات.
المساءلة: لدى المنظمات الإنسانية فرصة فريدة لتحميل الحكومات والجماعات المسلحة وغيرها من الجهات الفاعلة المسؤولية عن أفعالها. من خلال الإبلاغ عن الانتهاكات مثل حجب الوصول إلى الرعاية الطبية أو التدمير المتعمد للبنية التحتية، يمكنها كشف الجناة والدعوة لتحقيق العدالة. تضمن الشهادة الحية أن تقديم المساعدة لا يتعلق فقط بالبقاء على قيد الحياة — بل يتعلق بمعالجة الأسباب الجذرية للمعاناة ودفع الحلول الطويلة الأمد.
يتطلب دمج الشهادة الحية في العمليات اليومية تغييرًا في كيفية رؤية المنظمات لأدوارها. يجب أن يُنظر إلى الدعوة على أنها جزء لا يتجزأ من العمل الإنساني، وليس نشاطًا منفصلاً أو اختياريًا. من خلال القيام بذلك، يصبح عمال الإغاثة ليس فقط مصلحين مؤقتين للأزمات، بل مساهمين في المحادثة العالمية حول العدالة وحقوق الإنسان والمساءلة.
الخاتمة
في عالم اليوم، لا يكفي تقديم المساعدة. يجب علينا أيضًا أن نشهد على المعاناة التي نراها، لضمان أن يتم سرد قصص أولئك المتأثرين بالنزاعات والأزمات. تتعلق الشهادة الحية بالدفاع عن الإنسانية، والوقوف في وجه الظلم، والتأكد من أن معاناة أي شخص لا تمر دون ملاحظة. من خلال تبني هذا المبدأ، نعيد تأكيد التزامنا ليس فقط بتقديم المساعدة، ولكن أيضًا بتسليط الضوء على الحقيقة. من خلال القيام بذلك، يمكننا المساعدة في تحقيق تغيير حقيقي ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. حان الوقت ليس فقط للمساعدة، بل للتأكد من أن العالم يشاهد.
علي المقداد
#العمل_الإنساني #الشهادة_الحية #الإنسانية_أولاً #المساعدة_بدون_حدود #الحياد_لكن_ليس_الصمت #الدعوة_للتغيير #الوقوف_مع_الإنسانية #العمل_الإنساني_الأخلاقي #التحدث_من_أجل_العدالة #أصوات_لمن_لا_صوت_لهم #الشفافية_ضرورية #المساءلة_الآن #حقوق_الإنسان #المبادئ_الإنسانية #التضامن_العالمي #الدفاع_عن_الكرامة #شهادة_من_أجل_التغيير #الحقيقة_في_الصراع #حماية_المدنيين